(حلقة إستثنائية من أبشروا بالخراب يا بؤساء الجزائر):
إكتشاف خطير للغاية في الجزائر يزفه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى الجزائريين، ومفاده أن الطريق الذي إعتمده على مدار عهدتين كاملتين لا يوصل لـ "الجنة" التي وعد بها خلال حملتين رئاسيتين (1999 – 2004)، وإستفتاءين مشهورين واحد يتعلق بالوئام المدني (16 سبتمبر / ايلول 2000)، وآخر على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية (29 سبتمبر / ايلول 2005)، فضلا عن الخطابات والحوارات الصحفية والتلفزيونية التي لا تحصى ولا تعد، وفيها عدد منازل الفردوس وأبوابها التي يملك مفاتيحها لوحده دون سواه... هذا الإعتراف الخطير والمحبط في آن واحد جاء في خطاب ألقاه صاحب الفخامة – عقبال الجلالة - بتاريخ 27/07/2008 على ما يسمون – تجاوزا - برؤساء المجالس الشعبية، وهو إعتراف يصدم من فيه مثقال حبة من الوعي والفهم والوطنية، ولديه أدنى إحاطة بمسيرة الرئيس بوتفليقة ومن معه، عبر محطات بارزة ومهمة للغاية، أتقن فيها فن الوعود بالجنة التي تنتظر الجزائريين طالما سبحوا بحمده ورتلوا آناء الليل وأطراف النهار خطاباته وقراراته... فلم يجد الرئيس ما يقوله لشعبه الآن، بعدما طفح الكيل وأكد الواقع زيف الشعارات الطنانة التي حملت ونبح بها الإنتهازيون، لو قال بوتفليقة غير ذلك ما صدقه أحد، ولا هو صدق نفسه أصلا بعدما ظل يؤمن بها حد الجنون والخرافة... لقد هب ليعيد لنظامه بكارته التي ضيعها زناة السياسة، ويحفظ بعض ماء وجهه ووجوه جنرالاته، هذا الماء المفقود من جراء الواقع المزري الذي يعيشه الجزائريون، ويرزأ تحت أقدامه بؤساء وفقراء بلد النفط والخيرات والشهداء، ولكن الذي تجاهله الرئيس وهو في حمى الإعتراف غير التام، ومن دون أدنى تردد هو انه لم يحدد مسؤولية المتورطين في "البغاء السياسي" والسقوط الحر، الذي حاول أن يظهره بصورة الفشل المفاجئ، وليس ذلك الذي يدركه حتى المجانين منذ تقلده الحكم في البلاد، والعجب أن يأتي الآن وفي آخر شهور حكمه الدستوري، بل أن الوضع في مد وجز حول تعديلات وتحولات خطيرة، ليعلن أن الجزائريين سيحرمون من "الجنة" وسيبقون في "الجحيم" الذي هم فيه وعليه منذ 1830، وربما ينزلون إلى الدرك الأسفل بسبب النفاق الذي يمارسه النظام للأسف يجد من يصفق له، ونحن نعلم يقينا أن المرء يحشر مع من أحب، والرئيس الجزائري يعتقد أن الشعب الجزائري يحبه حد الهوس ، حتى بلغ الغرام الذي يحرق أعماقه حد المتيم، وهو أعلى درجات العشق كما كتب ابن القيم الجوزية، بل أن الخطاب إعترف بالفشل المطلق في مشاريع الخوصصة والإصلاحات التي انتهجها الرئيس في عهدتيه، والحقيقة أنه قبل أن نتحدث عن الفشل وهو مصطلح فضفاض يريد به إنقاذ النظام من الورطة، يجب أن نقول أن النظام الجزائري كذاب ومنافق وغادر لشعبه وعميل لقوى الشر، لأن الإعتراف بفشله على مدار 10 سنوات كاملة، هو إعتراف بإنهيار الدولة إنهيارا كاملا، فربما يفشل الإنسان في إجتياز إمتحان أو يخسر في مشروع بسيط، لكن ان تفشل حكومات ويسقط نظام برمته وعلى مدار عهدتين كاملتين من الحكم هي الكارثة بعينها، التي وجب فيها محاسبته حسابا دقيقه وتقديمه للمحاكمة العلنية على نموذج محاكمة عبدالمومن خليفة وغيره...
لقد هب الإنتهازيون لإعطاء تفاسير مختلفة وكلها – طبعا - تصب في مصلحة الحكم والطغمة الفاسدة، وإستغلاله بطريقة إحتيالية للمرة المليون على شعبنا، الذي أضحى رهينة لمثل هذه الوجوه الماكرة والعاهرة والمحتالة، وكأن رحم المرأة الجزائرية التي أنجبت العربي بن مهيدي وعميروش وسي الحواس ومصطفى بن بولعيد ومحمد بوضياف وبن باديس ومالك بن نبي والبشير الابراهيمي والعربي التبسي وعبداللطيف سلطاني... الخ، قد اصبحت عاقرا ولا يمكن أن تنجب مرة اخرى، مادام على ظهر الجزائر والجزائريين عباد من طينة بوتفليقة واحمد اويحيى وعبدالقادر بن صالح والعربي بلخير والجنرالات بمختلف أسمائهم وجرائمهم، وبوقرة سلطاني وعبدالعزيز بلخادم وزرهوني وبن اشنهو ومدلسي... الخ.
في ظل ذلك راح يزيد زرهوني وهو وزير ما يسمى - تجاوزا – الداخلية، في وصفه للخطاب بأنه نقد ذاتي وليس فشلا، وقال بالحرف الواحد: (هل تعتقدون أن بناء 20 أو 25 جامعة وإنجاز 1.5 مليون سكن فشل؟ هل إطلاق برنامج لتكوين الإطارات فشل؟ هذا دون الحديث عن عودة الأمن والإستقرار إلى البلاد)، وطبعا أن الوزير "العقون" كما يسميه الكاتب خبابة نورالدين في ثورته على اليوتيب، بتصريحه هذا أكد الفشل الحقيقي ميدانيا للنظام ولكل مؤسساته غير المشروعة في أغلبيتها الساحقة، فالأرقام التي قدمها غير صحيحة اصلا بل هي كاذبة ومزورة يعاقب عليها القانون، لأن بناء السكنات لم تصل بعد إلى مليون سكن التي وعد بها الرئيس بوتفليقة في إطار برنامجه الذي لم يتحقق، ويكفي على سبيل المثال أن وزير السكن نورالدين موسى قدم حصيلة مرحلية في مجلس الوزراء وبحضور يزيد زرهوني، والذي انعقد في 23/07/2008 أي بأربعة أيام قبل خطاب الرئيس، وأكد أنه منذ عام 2004 تم انجاز 700 الف وحدة سكنية، وطبعا في اطار برنامج المليون سكن الموعودة، وسيشرع في بناء 342 الف وحدة سكنية مستقبلا، فترى من أين جاء الزرهوني بهذا الرقم الذي فاق مشروع الرئيس؟ هل يزايد على بوتفليقة أم أنه أخلط بين الشهداء وحولهم إلى أرقام تتعلق بالسكن؟ ولماذا لم يتحدث عن طرق توزيعها وعن هوية المستفيدين منها؟ ويكفي مؤخرا أن ابن بلخادم وهو صغير السن استفاد من سكنات عدل بحي لاكونكورد ببئر مراد رايس برفقة ابن مدلسي وزير الخارجية وأحد ما يزعم أنهم "رجال الدولة" ورجال الرئيس، وهكذا تكون الاستفادات طبعا على شاكلة مبتورة تهضم حقوق الناس، لأن ابناء الفقراء... البؤساء... الحقراء... فهم في البيوت القصديرية يتوجعون بالنسبة لمن حالفهم الحظ، أما الآخرون ففي العراء يسكنون، تقضم الفئران أجسادهم النحيفة وبطونهم الجائعة... لنضيف في السياق نفسه ومن مصادر مطلعة بوزارة السكن والعمران، أنه في عام 2007 تم انجاز 20495 سكن من مجموع 51468 المقرر انجازها السنة نفسها، بل أنه في مارس 2008 أكدت المصادر أنه من مشروع مليون سكن تم انجاز 47%، فترى من اين لوزير الداخلية بتلك المعلومات الرهيبة؟ !!... أكثر من ذلك انه لا يملك حتى الأرقام الدقيقة عن عدد الجامعات التي شيدت، والكل يعلم عددها وكيفية تشييدها، وخفايا كثيرة عن "المقاولين" الذين يفوزون بهذه الصفقات، والأموال التي تنهب في إطار النسب الخاصة التي صارت كأنها قانون جبائي يفرض لحساب المنتفع ومن يقف وراء الفوز بالصفقة... أما عن تكوين الإطارات التي عدها إنتصارا كبيرا، فبلا شك يقصد تكوين رؤساء المجالس البلدية "الأميار"، فقد اشرف هذا الوزير على دروس تكوينية في تسيير المال العام وتوزيع السكن وذلك في 20 مارس 2008، وبالمدرسة العليا للإدارة بالجزائر العاصمة التي تخرج منها أغلب الوزراء وعلى رأسهم رئيس الحكومة أحمد أيويحيى الشهير برجل المهمات القذرة، وتم تسخير 250 خبيرا واستاذا جامعيا لتكوين ورسكلة 1541 رئيس بلدية، وطبعا بسبب انتشار ظواهر الفساد واستشرائها الى حد التعفن والإنفجار، دفعت مؤخرا رئيس الحكومة السابق ذكره الى اصدار تعليمة في 13/07/2008 تتضمن تحريك ملفات الفساد وفتح التحقيقات، وطبعا للموضوع دلالات سياسية ليس المجال لبسطها... نذكر مثلا أنه خلال العهدة السابقة (2002- 2007) نهب المنتخبون 348 مليار سنتيم، 1548 منتخب توبعوا قضائيا، تمت ادانة 900 منتخب من طرف العدالة، 500 لم يفصل بعد في قضاياهم، 148 منتخب لا يزالون قيد التحقيق، هذا في إحصاء رسمي وما خفي كان أعظما بلا شك، وعقبال أحصائيات العهدة الحالية، وان كان يقصد التكوين الجامعي للشباب فهو يحتاج الى وقفات ووقفات للمساوئ التي لا تحصى... لماذا لم يتحدث مثلا هذا "الزرهوني" عن 40 الف مليار سنتيم التي قدمت كمساعدات للفلاحين خلال السنوات الأخيرة، ولكن الإحصاء العام الذي قامت به مصالحه سجلت أن 20% من السكان يقطنون الأرياف؟ ترى أين ذهبت هذه الأموال الضخمة وواقع الفلاحة في الجزائر سيء للغاية بل أن حاله في السبعينيات أفضل؟.
في ما يخص حديثه عن الأمن فالواقع عكس ما صرح به هذا الوزير تماما، ويكفي العمليات والإنفجارات والضحايا الذين نسمع عنهم يوميا، وماداموا يسبحون بالتقارير الأجنبية وبالدول والمؤسسات التي تقف وراءها، نعطي مثالا بسيطا للغاية فقد ورد في تقرير عام 2008 الصادر عن وحدة الدراسات "ذي إيكونوميست أنتليجنس يونيت" بلندن، أن الجزائر في مؤخرة ترتيب قائمة من 140 دولة من حيث مؤشر الأمن والإستقرار في العالم، حيث احتلت الجزائر المرتبة 112، في حين احتلت سلطنة عمان المرتبة 25، قطر المرتبة 33، الامارات المرتبة 42، المغرب المرتبة 63... وأيضا دراسة أخرى صدرت في 26/02/2008 بأمريكا عن معهد "بروكينج انترناشيونال" والذي يسيطر عليه التيار الديمقراطي، إلى جانب مركز السياسات التنموية الشاملة، عدت الجزائر من اضعف البلدان في العالم في المجالات الإقتصادية والسياسية والأمنية والحماية الإجتماعية، وتم تصنيفها في المرتبة 57 عالميا من بين 141 دولة، وعدت من بين الدول الخمس الأكثر ضعفا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (العراق – اليمن – الجزائر – سوريا – إيران)... لنجد أنفسنا ونحن نعقب على هلوسات الوزير الذي اشاد بخطاب الرئيس خاصة أنه لم يجرم أحدا، بالرغم من أنه جرم النظام كله بصيغة العموم والحتمية، وهو ما أسعده كثيرا لأنه أحد المتورطين في هذا المستقبل السيء للوطن، وجب أن نسأل هذا الأسئلة المهمة ونترك الإجابة عليها لشعبنا المحتل: ترى اين ذهب مشروع دعم النمو الذي كلف الخزينة 7 مليار دولار؟ أين مشروع الإنعاش الإقتصادي الذي بذرت فيه قيمة 80 مليار دولار على مدار عشرية الرئيس بوتفليقة؟ من يقف وراء كل هذه المشاريع التي ضيعت أموال الشعب؟ ألا يوجد أي أحد يمكن أن نتهمه أم أنها بقضاء وقدر ضاعت؟.
من جهة أخرى نجد نقابة "بقايا العمال" تعلن مساندتها لخطاب الرئيس كعادتها في لغة المسح والإنبطاح والتأييد الغبي والأعمى، خاصة منذ وصول أمينها العام عبدالمجيد سيدي السعيد إلى القيادة، بعد تصفية عبدالحق بن حمودة في عملية استعراضية نسبت للجماعات المسلحة طبعا، ولمن لا يعرف أن سيدي السعيد من ابرز المتهمين في قضية الخليفة التي تعرف بـ "فضيحة القرن"، لو كانت السلطة القضائية مستقلة وغير مسيسة لوجد نفسه في سجن البليدة تحت طائلة حكم لا يقل عن العشر سنوات...
آخرون من المبدعين في علم التبرير للطغاة، الذي إخترعه العرب وأبدعوا في نظامه ورقمنته وهندسته، يرونه تواضعا من الرئيس بوتفليقة، فبالرغم من "الانجازات الكبيرة" التي رقص لها حمراوي حبيب شوقي في تلفزيونه عبر برنامج تافه اسمه "ما أدراك ما الجزائر"، الا ان الرئيس غير مقتنع بها تماما، بسبب حرصه الشديد على منافسة الدول العظمى، لكن في ظاهرها تنافس في التحضر والرقي والإنسانية وفي باطنها تنافس في الإحتيال والنهب والتزوير والغباء، بلا شك أن هذا التواضع من "فخامته" سيبرر للطبالين ان يجددوا مطالبتهم بالعهدة الثالثة وربما الخامسة قبلها، وبعد أيام قليلة سنشهد ربما مسيرات "عفوية" تساند هذا المسعى النبيل والرباني !!...
إن الرئيس بنفسه اشار ضمنيا أن العهدة الثالثة التي يطمح ويستميت من أجلها، ليست لإكمال البرنامج كما روج "الإنتهازيون" من قبل، بل من أجل "المراجعة الجذرية" لأشياء كثيرة، كما ورد في خطابه الذي نتحدث عنه، وطبعا ترك هذه "الأشياء الكثيرة" مبهمة، تفتح شهية صحافته "الصديقة" التي انتقدها كثيرا، في التحليل وإبداع التبريرات والمعطيات بلا حس إنساني ومهني أبدا، ولقد جاءت هذه "المراجعة الجذرية" بعدما تأكد الرئيس ومن معه من أن الطريق الذي إختاروه وفرضوه على الجزائريين "لا يقودنا للجنة" كما جاء على لسانه، ولست أدري أنه لا يقود بوتفليقة ونظامه للجنة والمتمثلة في العهدة الثالثة والرابعة، أم يقصد به الشعب الجزائري الذي هو على يقين أنه لا جنة أبدا مادام يحكمه هذا النظام المفلس، وأعمق من ذلك أن الوصول لجذر الشيء معناه إنتزاعه من تربته ومغرسه، فماهي جذور النظام الذي اثبت إفلاسه أذن؟ أليست تعني العودة إلى 1962 لمراجعة شاملة لمنظومة الحكم، ومنه بلا شك إدانة لكل من تورطوا في أي منصب، وعلى رأسهم بوتفليقة الذي يفتخر دوما أنه كان الرجل الثاني في عهد هواري بومدين، كما قال ذلك في برنامج "بلا حدود" عام 1999 على قناة الجزيرة القطرية.
أما لويزة حنون زعيمة حزب العمال أشادت بما يهم نضالها ويخدم حزبها، ويتعلق الأمر بفشل مشروع الخوصصة والاصلاحات المضادة ورهن الاملاك الوطنية التي ظلت مناهضة لها سنوات طويلة، فضلا من ان الرئيس بوتفليقة نفسه في مجلس الوزراء الذي انعقد في 23/07/2008، وجه سيلا من الانتقادات اللاذعة للوزير طمار الذي يعد من ابرز رجال نظامه، هذا الأخير الذي نجح من قبل في تمرير تعديلات على قانون الإستثمار، وهي التي لم تكن مجدية ولا نافعة وأكدت إفلاسها، بل أدخلت الوزير في متناقضات مختلفة آخرها الإعتراف المتأخر للرئيس بوتفليقة طبعا.
"الفشل" هو لفظ فيه تزكية للنظام، لأن الفاشل غالبا ما يكون حريصا ونيته صادقة والمعطيات الخاطئة هي التي اسقطته في الوحل، لكن ما حدث ليس فشلا بل إفساد في الأرض والعرض، فقد وعد النظام مستعملا مراكزه الإستراتيجية التي همها البطن والعلف، ما لا يمكن حصره من الوعود والعهود بدأ من العزة والكرامة ووصولا إلى الأمن والإستقرار، كل ذلك لم يتحقق منه أي شيء، وما حز في نفسي أن الرئيس إجتمع برؤساء المجالس البلدية وهو الذي لم يجتمع اصلا بالنواب البرلمانيين، لأنه يعلم أن أميار الجزائر العميقة بأيديهم ثروات وميزانيات كبيرة يستطيعون نهبها أو حتى إستغلالها في التسويق لأطروحات النظام عن طريق شراء الذمم، أما النواب فهو نوام يصفقون ولا يعرفون دورهم الشعبي اصلا... وقد فعلها من قبل الرئيس الراحل هوراي بومدين حيث التقى بالأميار بعد الإنتخابات البلدية التي جرت في 05/02/1967، وطالبهم بضرورة بومدين حينها بخدمة المواطن رغم الخزينة المتواضعة جدا والميزانيات البسيطة، والمفارقة أنه بعد أربعين سنة يجتمع بهم الرئيس ويطالبهم بخدمة المواطن وترشيد الأموال الضخمة التي تقدم لهم من خزينة غنية للغاية، وكأن قدر الجزائريين دوما هو "اللاخدمة" سواء كانت الدولة غنية أو فقيرة !!.
إن مما نعلمه عن الدول التي تحترم نفسها وشعبها وإنسانيتها، لو تورط مسؤول في برنامج فاشل كلف الخزينة دولارا واحدا، سيقدم للمحاكمة ويعاقب بشدة، فمن سرق بيضة سيسرق الدجاجة يوما ما هكذا يؤمنون... ولكن عندنا حتى الفشل يستثمر كنجاح ويستغل من طرف المطبلين والإنتهازيين، بل أنه يوجد من يهب لمدح "شجاعة الرئيس" الذي اعترف بسقوط سياسته وافلاسها، وكأن هذا لا نراه ولا يحس به الشعب ولا يعيشه في واقعه المر البائس، حتى يأتي بوتفليقة ويتبجح به علنا ومن دون حياء يذكر، الشيء الوحيد الذي يمكن ان يحفظ لبوتفليقة أنه فهم الشعب الجزائري جيدا لذلك زف لهم فشله وعلى المباشر، وتأكد أنه سيتحول بقدرة قادر إلى إنتصار ونبوة !!...
أو ربما رآه الحل الأنجع الذي ينقذه ويحقق له العهدة الأخرى، والغريب أن هذا الفشل الذريع إعترف به وكان على مرأى الوزراء الذين هم رافقوه منذ انتخابه عام 1999، فبدل أن يحاسبهم بقرارات جريئة، وعقوبات صارمة وعلنية، تفادى أن يذكر اي جهة ويحملها المسؤولية، لأنه لا يستطيع أن يفعلها، فهو – بتوكيل من المؤسسة العسكرية -من يختار الوزراء وليس رئيس الحكومة ولا حزب الأغلبية، وأكثر من ذلك أنه يطمح لعهدة اخرى على كاهل المواطن الذي أتعبته السياسات الفاشلة، والواجب الآن هو محاسبته على ما لم ينجزه خلال عهدتيه، ولكن أن يعترف بالفشل فهنا وجب أن يحاكم هو ورجاله عن الملايير التي بذرت خلال هذه السنوات، وعن الوقت الذي تم تضييعه فضلا عن الضحايا الذين ذهبوا جراء أمن مفقود أو إقتصاد منهار او لصوصية معلنة...
نختتم هذه الحلقة الإستثنائية:
لماذا لا يستقيل الرئيس مادام فشل في سياسته عبر عهدتين كاملتين؟
لماذا يطمح لعهدة في الوقت الضائع؟
هل من الممكن أن نصدقه الآن وقد كذب من قبل في كل الوعود التي قدمها؟
ماهي التغييرات الجذرية التي يقصد بها؟
من المتورط في فشل سياسته ونظامه؟
وللحديث بقية في الحلقات القادمة...
الموقع الشخصي للكاتب:
www.anouarmalek.com